الأبعاد الجيوسياسية والجيو-إقتصادية لما يحدث في فلسطين اليوم
يسيطر الإنقسام السياسي على الكيان الصهيوني في سنواته الأخيرة، ويمكننا القول إن هذا الإنقسام يُفسَر في شقَّين:
أولًا: تباينات سياسية نتيجة الإنقسام العامودي في الداخل المهترئ وتصدّع جبهات الكيان السياسية، إنعكاسًا للنكسات العسكرية المتراكمة منذ حرب تموز، وصولًا إلى توحّد فصائل المقاومة الفلسطينية وتحوّل قطاع غزة من مرتع لهجمات العدو إلى جبهة مواجهة حقيقية تتعزّز كل يوم، دون أن ننسى التطوّرات الجيوسياسية التي دفعت بعض المطبّعين إلى محاولة إنقاذ الكيان الصهيوني من صواريخ المقاومة والضغط على الفلسطينيين للسير نحو التطبيع.
ثانيًا: تطوّرات عسكرية ضخمة حصلت في السنوات الأخيرة لدى فصائل المقاومة الفلسطينية التي استطاعت أن توازن في علاقاتها الإقليمية بالرغم من التباينات بين إيران -الداعم الأساسي عسكريًا لهذه القوى- وبعض الداعمين العرب وغيرهم على المستوى المادي والإنساني المشروط بما يحدّده الكيان الصهيوني.
عسكريًا، المواجهة اليوم باتت مختلفة، والحرب الجديدة بدأت من حيث توقفت المواجهات الأخيرة في العام 2014، حيث كان واضحًا أن الوحدة ورفض الإنقسام الداخلي الفلسطيني ممنوع، كما أن الماكينة العسكرية الفلسطينية باتت أكثر جهوزية ونوعية صواريخها باتت متقدمة ومتنوعة وذات فعالية عالية، دون أن ننسى دخول سلاح الجو التقني العسكري ساحة المعركة بكمية ونوعية أكبر من العام 2014.
تخوض اليوم الفصائل الفلسطينية حربها في الداخل مسطّرة أرقى البطولات، سواء في المستوطنات حيث يُضرب الكيان من أبطال حرب تحرير فلسطين في الداخل، أو من قطاع غزّة الذي لا شكّ أنّه غيّر المعادلة برمّتها، وبات واضحًا أن وقف الحرب لن يكون قبل تثبيت معادلات جديدة تحدّدها فصائل المقاومة وليس الكيان الغاصب.
جيوسياسيًا، قُصف الكيان الصهيوني في الصميم، فحرب غزة اليوم وضعت معادلات جيوسياسية وجيو-إقتصادية جديدة أهمها:
أولًا: إذا كانت غزّة المحاصرة تقدّم هذه الجودة في مواجهات الكيان المحتل، فكيف إذا ما فُتحت الجبهات التي يقودها محور المقاومة والتي تتمتّع بقدرات نارية هائلة بحسب إعترافات قادة العدو؟!
ثانيًا: تحوّل الكيان المحتل إلى مستثمر غير موثوق في سوق الغاز بعدما باتت جميع استثماراته واستثمارات من يريد أن يستثمر معه في سرقة غاز فلسطين عرضة لصواريخ المقاومة برًا وبحرًا وربمًا لاحقًا جوًا، الأمر الذي سيُغير المخططات الجيو-إقتصادية على مستوى استثمارات الغاز التي يسرقها المحتل من بحر فلسطين.
ثالثًا: ضرب جميع مشاريع التطبيع والتطبيل الإقليمية والتي اصطدمت بصواريخ المقاومة المحاصرة في غزة، فصدمت كل من هلّل وبارك هذا التطبيع.
رابعًا: غياب قدرة الولايات المتحدة على الوقوف إلى جانب الكيان المحتلّ نظرًا لمحاصرة جميع مصالحها في الشرق الأوسط من قبل قوى محور المقاومة في العراق وسوريا ولبنان، ما يعني عدم قدرتها على التحرّك بحرّية في تغطية مجازر العدو.
في الخلاصة، ما يحدث في فلسطين المحتلة اليوم يُشكل بداية النهاية للكيان المحتل، وما أكتبه ليس تمنيات ننتظر أن تأتينا في الأحلام؛ هو واقع يسطّره مفعول كبير لنموذج صغير موجود في غزة، لكنّ النماذج الحقيقية عنه موجودة على حدود فلسطين من الجنوب اللبناني إلى الجنوب السوري، أياديهم على الزناد، يبنون كل يوم بنيان دحر الكيان وتحرير فلسطين، ملطخين دول التطبيع والتطبيل بالخزي والعار، مثبّتين معادلات جيوسياسية وجيو-إقتصادية جديدة في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وفي الصراع العربي-الإسرائيلي بشكلٍ خاص.
زكريا حمودان